logo_q

ليس من رأى كمن سمع !

بـقـلم: إبراهيم الصــواعي.

لم أعِـش أحداث المباراة الافتتاحية في بطولة خليجي ٢٥ ولكن حينما آثرت على نفسي بالنزول من حافلة الإعلاميين بالمباراة النهائية قلت في نفسي:”من سمِـع ليس كمن رأى”.

وصلتنا التعليمات بأن نتواجد في الحافلات في تمام الساعة العاشرة، ولكن تفاجأنا بوجود وجوه إعلامية لأول مره في ثلاث حافلات ببطاقات مزورة منذ الساعة التاسعة، وبعد مشادات وطول انتظار استطعنا الدخول والذهاب إلى ملعب المباراة وبالتحديد عند البوابة رقم «١٣».

انتظرنا دخول الحافلات من البوابة المخصصة للإعلاميين ولكن دون جدوى؛ بسبب الحشد الجماهيري في مشهد لم يستطيع الأمن السيطرة عليه، إلى حين أن جاء المسؤول الإعلامي وطلب من الجميع النزول والمشي على الأقدام وسط الحشود الكبيرة، طلبت حينها من الزملاء النزول ولكن لا أحد أراد المجازفة والأغلبية لديهم أدوات ومعدات التصوير، في الوقت الذي وصلتنا أخبار الإصابات والوفيات وأنباء عن إلغاء المباراة خصوصاً بعد تصريح محافظ البصرة.

جاء المسؤول الإعلامي مرة أخرى يطالب الجميع بالنزول، حينها آثرت على نفسي بخوض عراك الوصول الى الملعب، فتح الأمن البوابة ومشاهد من الشغف الجماهيري من الكبير والصغير وصعود من الجدران، بجانب صوت سيارات الإسعاف تنقل المصابين، لا توجد بوابة مفتوحة لأرضية الملعب سوى المكان المخصص لسيارات الإسعاف!

لا أود الحديث حول ما يدور بين رجالات الأمن في دخول من يرغبون دخوله والمشادات السياسية فيما بينهم؛ ولكن بعد تعالي الأصوات من أجل دخولنا استطعنا الوصول الى المنصة الإعلامية، وسط مشاهد من الذهول، لايوجد مقعد ولا ممر! الملعب ممتلىء قبل انطلاقة المباراة بأربع ساعات، والمقاعد المخصصة للجماهير العمانية ذهبت للجماهير العراقية!

أخذتُ بعض اللقطات وبادرت بنشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وللمسؤولين بالاتحاد والوزارة والرابطة، لا يمكن المجازفة بحضور الجماهير وسط هذا الحشد الكبير، من يتواجد خارج الملعب أكثر من الداخل؛ أكثر من مليون تذكرة مزورة تم بيعها في السوق السوداء! كنت أتمنى إلغاء المباراة من أجل حقنا في الملعب، لم يتعلم المنظمين من درس المباراة الافتتاحية، وكنت اتسائل لماذا لا يتم تطويق الملعب وتخصيص منطقة بعيدة تنقل الجماهير التي لديها تذاكر الدخول بعد تدقيقها بالباركود عبر الحافلات!

كل شي يحدث فجأة قبل ساعات من المباراة، هنالك طائرات بمسقط على وشك الإقلاع، ولكن جاءت الأوامر من الجهات المختصة بعدم إقلاعها بعد أنباء الوفيات والتدافع والإصابات وعدم السيطرة من الجهات الأمنية.

بيان من الاتحاد العُماني لكرة القدم بعد التشاور مع الجهات المختصة يتحدث حول عودة الجماهير العمانية إلى البلاد من أجل تأمين سلامتها، وحينها صادفت رئيس الاتحاد العراقي لكرة القدم بالملعب على أمل أن يظهر في لقاء حول مقاعد جماهيرنا ولكنه رفض؛ وتحدث لي بأن المسؤولين العمانيين طلبوا اجتماع مع رئيس الوزراء العراقي ومحافظ البصرة وكانوا في اجتماع منذ الصباح الباكر من أجل تأمين وصول الجماهير من المطار إلى الملعب! وقبل يوم كانوا متواجدين بالملعب وقد أرفقنا لهم الخطة الأمنية، قال لي :”سنحاول إخراج الجماهير الآن بعد تعليمات من رئيس الوزراء؛ وأنا ذاهب لأخذ الجماهير العالقة عند البوابة لمنصة VIP “.

ولكن جاء سؤالي حول تصريح محافظ البصرة بنقل المباراة ؟ قال: ” التصريح تمويه من أجل عودة الجماهير من حول الملعب إلى منازلها” !

تم تخصيص مقاعد أخرى مجدداً للجماهير العمانية بعد وعود رئيس الوزراء العراقي للمسؤولين العمانيين وظهر بيان الاتحاد بأن الحكومة العراقية عملت على تأمين تلك المقاعد، ولكن سرعان ما ذهبت أمام مرأى العين بمساعدة من الأمن وسط فوضى كبيرة عكست أجواء سلبية لدينا وخوف على جماهيرنا في طريقها الى أرضية الملعب.

كان الخوف واضحاً ايضاً على الإعلاميين وتم تخصيص مكان اخر للإعلاميين العمانيين بطلب من رئيس البعثة المتواجد بالمنصة وهو في انتظار الجماهير العمانية القادمة إلى أرض الملعب ويرافقه العضو الاعلامي في بعثة المنتخب. قال لي جماهيرنا مع الرابطة هي دافع وفارق كبير للاعبين وأعلم تماماً مدى تأثيرها. انظم إلينا مسؤول أمني تحدث لرئيس البعثة بأن المساعي فشلت في تأمين المقاعد مجدداً، سرعان ما انفجر رئيس البعثة وذهب لوزير الداخلية العراقي وقال له “سأسحب فريقي إن لم تؤمّن مقاعد للجماهير” !

كانت مباراة البحرين بدور النصف النهائي والنجاح الكبير في تأمين المقاعد سبباً في زيادة الطائرات والحراك الكبير في تواجد جمهور النبض الواحد في النهائي، ولكن حينما يتعلق الأمر بسلامة الجماهير حتماً علينا التوقف وعدم المجازفة.

دقائق على انطلاقة المباراة ولازال تبادل الحديث والمشادات في المنصة على مرأى من رئيس الوزراء العراقي الذي طالب بأن لا تنطلق المباراة الا والجمهور العُماني في الملعب؛ ولكن باءت محاولات تواجد الجماهير بالفشل!

لا يمكن أن تخرج المشجع العراقي من المقاعد! الجماهير تهتف ” جيب الكأس جيبه” والمسؤول الأمني يجهش بالبكاء!

اذا كان الحضور الجماهيري لمباراة ودية في العراق يفوق ٦٠ ألف مشجع فما بالك في نهائي بطولة وقد غابت العراق عن تنظيمها لأكثر من ٤٠ عام!

تفرقت جماهيرنا بالملعب وسُلب حقنا في المباراة ، ولكن هنا الحديث عن التجاوز لا للنسيان؛ سيكتب التاريخ بأن سلطنة عمان ساهمت في نجاح تنظيم البطولة من أجل العراق أمام العالم ولم تسحب فريقها في محنة بلاد الرافدين وسوء التنظيم من المسؤولين وخصوصاً الاتحاد الخليجي لكرة القدم.

هذه البطولة التي تحتضنها العراق للمرة الثانية في تاريخها رغم سلبياتها في التنظيم الا أنها بالمقابل لها جوانب إيجابية سعت من خلالها دول الخليج من أجل رفع الحظر من الاتحاد الدولي لكرة القدم وقد سُحبت مراراً بالسابق.

وبالرغم من كل تلك الاحداث إلا أن الاجواء في البصرة شي مختلفًا تمامًا؛ حيث البساطة وعدم التكلف والكرم وحسن استقبال الضيف بدون تصنّع؛ هذه المدينة ظلت مستيقظه ليلاً ونهار في خدمة الجميع، وقد آثر سكانها في فتح بيوتهم لاستضافة المشجعين.

الجميع حريص على أن يعكس صورة مشرفه عن بلاده في اعتزازه بهويته العراقية الأصيلة، فكم كنت أتمنى ان يتواجد الإعلام العماني المرئي ببرامج عديدة تنقل الصور الايجابية من قلب الحدث على عكس ما نسمع سابقاً من اظطرابات سياسية حيث العنف وعدم الاستقرار! وايضاً لما لها من ارتباط تاريخي وحضاري كبير مع سلطنة عمان، حيث الشواهد عديدة إبتداءً من الدساكر الثلاثة للسكنى التي شكلها العمانيون من أصل سبعة وتعيين قاضٍ عليها من قبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأثر طلاب العلم فيها، وتواجد الصحابي مازن بن غضوبة والإمام جابر بن زيد وتمثال الفراهيدي؛ من سبق عصره في ذكاءه وصاحب أول معجم عربي وأول من أسس علم العروض . وصولاً الى استنجاد اهل البصرة بالامام احمد بن سعيد وقد مكث اسطول ابنه السيد هلال لمدة ٣ اشهر هنا في شط العرب.

ولكل من ألقى شباكة في هذا الشط باحثاً عن الأدب والعلوم والفلسفة والنحو والعمارة سيجد الأثر العماني حينما تزور تلك الشواهد حيث رائحة التاريخ وعبق الماضي ومكانة أهل عمان على مدى اكثر من ١٢ قرناً من الزمان. كانت فرصة للترويج عن علاقة تاريخية متجذرة وهنالك بحوث وكتب عديدة تتحدث عن تلك الروابط. كانت فرصة لإقامة ندوة ثقافية مع الجهات المختصة في بطولة تعتبر الأكثر حضوراً اعلامياً، لا أن نكتفي فقط ببرامج تبث من مسقط على عكس ماقامت به بقية الدول المشاركة في استخدام القوة الناعمة في حضورها الاعلامي القوي في البصرة.

الإعلام صناعة يجب أن يفقه المسؤول بأنها تخفف العبء على كاهل الدولة في العديد من الجوانب؛ لم يكن الأمر صدفة أن يمتعض المسؤول من قيمة حقوق النقل وتجييش الإعلام حولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الحديث عن قيمة حقوق النقل لبطولة تاريخية ولها إرث اجتماعي وبُعد سياسي كبير؛ لطالما فشل سابقاً بعد شراكته مع اتحاد القدم في تسويق الدوري وإعطاء الأندية حقوقها من النقل؛ صار ينبغي علينا الإعداد من الآن قبل أن يسبقنا العالم من حولنا بمراحل. فقد أصبحنا في مجتمع يواجه الإعلام فيه أزمة كبيرة ويفتقر المسؤول فيه الحسم؛ تجده يلاحق من خلالها عن أهداف تبدو لنا متحركة لن يصل إليها أبداً.

آخر كلام ..
شكراً لرجالات الأحمر، كنتم في الموعد، قدمتم ملحمة رغم الظروف؛ وعلينا جميعاً أن نبني عليها طموحنا في الاستحقاقات القادمة لما هو أهم؛ فما التهويل بهذا التوقيت سوى أنه «ديدن المنتفعين».

حول صدى

خدمات شاملة وحلول مبتكرة للعمل التطوعي تتيح للشباب العمل والمشاركة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلد

الأخبار

تابعنا: