لـ ابراهيم الصواعي
بين الماضي والحاضر تفاصيل بناءٌ متجدد لعُمان التي أرسى قواعد نهضتها المغفور له بإذن الله تعالى صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، لتشهد مكانةٌ مرموقة بين الشعوب، وقد شقّت طريقاً ونهجاً ذو مسار واضح في بناء شخصية الإنسان العُماني المسالم والمبتعد عن الضجيج وتقلّبات المنطقة، مما انعكست في بناء دولة اتسمت بالحياد الإيجابي وعدم التدخل بشؤون الغير، ولم يكن يتحقق القبول الدولي ولعب دور الوسيط والمصالحة بين الفرقاء في حل القضايا الإقليمية؛ لولا حفاظه على الاستقرار السياسي والدستوري والوقوف مع الجميع بمسافة واحدة.
لقد كان خطاب صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله وأبقاه – واضحاً بأن عُمان ستسير على النهج نفسه داخلياً وخارجياً، مرتكزة على مقومات التنمية والاستقرار والسلام، ومد يد العون للجميع، محافظين على النسيج المجتمعي الموحّد؛ إذ يعتبر الإنسان العُماني الركيزة التي استندت عليها الحضارة العُمانية عبر الأزمنة، والتي راهن عليها السلطان المؤسس في بناء عُمان الحديثة، باعتباره الأداه الحقيقية في مسيرة التنمية الشاملة، وكعنصر رئيسي فعّال في بناء دولة مواكبة لمتطلبات العصر؛ بعد ان كانت الشخصية العُمانية قبل السبعين قد فقدت هويتها، وأصبحت تقليدية ومنغلقة وغير منفتحه على الآخر، مما استطاعت بعدها ان تواكب التغيير المحتم في استلهام حضارة السلف في بناء الحاضر ورسم المستقبل، وذلك وفق شروط تنموية عكست مسؤلية الفرد في مراجعة ذاته اتجاه مسؤولية النهوض بوطنه، وهذا ما ساهم في سرعة وتيرة بناء دولة المؤسسات، والتي أسست فكر اجتماعي عادل وقائم على مبدأ التعايش ومطلّع ومواكب لما يدور حوله من تطور بالعالم الخارجي؛ مثلما كانت تلك الشخصية عبر التاريخ، حينما كان العُماني يجوب العالم برسالة الإسلام والسلام والتسامح.
خمسون عاماً وعمان نهضةٌ متجددة بشتى المجالات، عاش بداياتها آباؤنا وأجدادنا بتفاؤل كبير رغم التحدّيات وضيق سبل العيش، وما كانت السعادة الأبدية التي جاءت بالخطاب الأول لجلالة السلطان الراحل رحمه الله أن تتحقق لولا شراكة الجميع وإيمانهم برؤيته، لتصبح دولة عصرية نهضت بمعجزة؛ مكَنت العُماني من خلالها ان يعيد أمجاده في الوقت الذي كانت المنطقة بتلك الفترة العصيبة تشتعل خارجياً بالعديد من الأحداث المتلاحقة، وداخلياً بالانقسامات والقبلية والمذهبية وتدخلات من اطماع خارجية، والتي كادت ان تمحو إرثاً من الحضارة المتأصلة؛ لولا ان هبا الله عُمان قائد حكيم استطاع توحيدها تحت رايته ونصرته، وقادها من العزلة والتشتت والظلام الى العالم بثوابت راسخة قائمة على مبادئ التصالح والاخاء والوئام.
اليوم وبعد نصف قرن تمر السلطنة مرحلة جديدة عبر رؤية عمان ٢٠٤٠، مما يتطلب الإستفادة من العقود الماضية في رصد كل ما شأنه ان يعكس تنفيذ محاورها وأهمها التنوع الاقتصادي وعدم الاعتماد على النفط، وهذا ما يتطلب توحيد الجهود في ان نكون معول بناءٌ مستمر حتى نحافظ على مكتسبات النهضة المتجددة لمستقبل الأجيال القادمة، وأن نكون شركاء حقيقيين في دفع عجلة التنمية الشاملة، ومستنيرين بنور قابوس المتوقد في كل شبر من هذه الأرض الطيبة؛ آخذين بوصيته في أن نقف متحدين ومتعاونين مع قيادتنا وولي أمرنا، مواصلين العزم وحريصين على مواصلة المسار نفسه لبداية فصلٌ جديد من المدرسة القابوسية التي ستبقى نبراساً و إرثا يُدرّس عبر الأزمنة.